الشخصية المادية(عبدُ الدينار) ..بين الإسلام و علم النفس
أهلا بصديقي الزائر
معنى كلمة "الشخصية" أولاً
وصل العلماء إلى أكثر من 50 تعريفا للشخصية و لكن الأقرب إلى مفهومنا أراه هو التعريف الآتى:
هى مجموعة الخصال و الصفات الملازمة له و التى تميزه عن غيره و تحدد سلوكه و تعامله مع الناس و مع ربه و البيئة.. و المحددة أيضا لمظهره الخارجى و طريقة تفكيره و تصوره و فهمه و ما يحب و ما يكره.
مكونات النفس طبقا لفرويد
طبقا لفرويد فإن النفس تنقسم إلى ثلاثة أجزاء بثلاثة وظائف هى:
- الضمير(الأنا الأعلى):و هو المسئول عن المُثل العليا و القيم و الأخلاقيات،و ما يجب فعله و ما لا يجب...
-الأنا : و هو الجزء الواقعى الذي يتصرف بحب الواقع حوله بما يعود على الإنسان بالمصلحة...
-الهو(الشهوات) : و هو جزء الشهوات مثل حب الطعام ،حب الجنس ، وحب السلطة ،و حب المال ..و الأخير هو محور الشخصية المادية التى سنتكلم عن صفاتها
ماذا نقصد بالشخصية المادية؟
ليس هناك فى الطب النفسي ما يسمى بالشخصية المادية ، رغم أن هذا المسمى دارج و مشهور على ألسنة الناس و يبحث عنه رواد الإنترنت فى أكثر من مكان حتى يجد الإجابة الشافية لذلك الموضوع ، و ذلك بسبب الوجود القوي و الشائع لتلك الشخصية بيننا ، و لكن أفضل بحكم تخصصى فى الطب النفسي أن اسميه "صفة المادية" فى الشخصية ..حيث تكون تلك الصفة هى الطبع السائد و الصفة الغالبة على الشخص و المشهرة له بين الناس، و لكن بالشكل الذى يضر بسمعته و دينه
حب المال الشديد : صفة جبلية فى ابن آدم
فحب المال الشديد هو عيب وطبع مذموم من طباع النفس البشرية و هو حب مغروس فى جميع البشر إلا ما رحم ربى، ولعل هذا هو سبب انتشار تلك الشخصية المادية بيننا ..و أقول هذا بالدليل من القرآن فى قوله تعالى عن الناس ﴿ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ﴾ [الفجر: 20] و الخطاب هنا للناس عامة إلا ما رحم ربى ..
و هناك دليل أخر على صفة الحرص على المال و هو قوله تعالى عن الإنسان ﴿ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ﴾ [العاديات: 8] و الخير هنا هو المال
و هناك دليل ثالث ذكرته الآية (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ ۚ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا) الاسراء 100..قال ابن عباس (قتورا) أى بخيلاً منوعاً
و هناك دليل أخر من السنة على هذا الحب الشديد الذى يحرص عليه الانسان مهما طال عمره و كبر سنه
ففي الصَّحِيحَينِ قَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "يَهرَمُ ابنُ آدَمَ وَتَشِبُّ مِنهُ اثنَتَانِ: الحِرصُ عَلَى المَالِ وَالحِرصُ عَلَى العُمُرِ"
و مما سبق نعرف أن "الحرص على المال" هو سمة أساسية من سمات و طباع و سجايا ابن آدم جميعا...و لكنها قد تودى بالإنسان إلى الهاوية إن لم يهذبها .. لذا فقد جاءت شريعة الإسلام الغراء لتهذب النفوس و تضعف تلك الصفة فى تلك النفس و المغروسة فيها جبلياً...و ذلك من خلال ما أمرت به الشريعة من أداء للصدقات و زكاة للمال و إعطاء الفقراء،و الإيثار على النفس ، وحب الخير للآخرين ، و الجهاد بالمال....
و بذلك تكون المشكلة قد تجلت و وضحت معالمها
فكل ابن آدم حريص على المال و يحبه حباً جماً و هى صفة جبلية فينا ..و لكن الفيصل فى هذا الأمر هو هل أن الإنسان هو الذى تحت سيطرة و هيمنة تلك الصفة الذميمة فتحدد سلوكه و تصرفاته .. أم أن تلك الصفة هى التى تحت سيطرة الإنسان فهو ينفق على أهل بيته و يتصدق و يزكي كما أمره الله....و هنا يكمن حل اللغز ...
سمات المادية عند الشخص
و بالتالي فهذا الشخص لدية عيب و صفة واحدة هى ( حب المال والتعلق به بشكل شديد) و هذا العيب إما أن يسيطرالإنسان عليه و إما أن يسطر العيب على الإنسان .. فإذا كانت الغلبة لهذا العيب و ملك عقل الإنسان و فكره فإن ذلك سوف ينشأ لدينا شخص مادي بمعنى الكلمة ..فتعالوا لنتعرف على سمات ذلك الشخص المادي:
- الشخص المادي : ينظر إلى الصدقة و الزكاة المفروضة..على انها نقص فى المال أو مغرم...و هو ما وقع فيه بعض الأعراب فقال القرآن فيهم (وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا ) التوبة 98.. لذا يأتى الحديث النبوي محذرا من ذلك التفكيرالمادي فى قوله ( ما نقصت صدقة من مال ..) مسلم ..لعل المعوج يستقيم
-الشخص المادي : إذا أُعطى رضى، و إن لم يعط فذو غضب عريض: وهو مثل ما وقع فيه المنافقون الذين قال الله تعالى فيهم (وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58)التوبة
فالشخص المادي حبه و ولائه الأول و الأخير هو للمال..و المصلحة و المنفعة الشخصية
- الشخص المادي :﴿ وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ﴾[المعارج: 21] فهو شخص شحيح لا يحب أن ينفق و لا أن يفارقه ماله..لأن ذلك يحزنه أشد الحزن..و قد حذر القرآن من تلك الصفة لأنها تحرم صاحبها من الفلاح فى الدنيا و الآخرة
فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16)التغابن..
-الشخص المادي هو عبدُ للمال: و هى الصفة التى ذمها الحديث الشريف (تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة، إنْ أُعطِي رضي، وإن لم يُعطَ لم يرضَ)([1]) رواه البخاري فهذا الشخص للمال يتحرك و ينشط ..و إذا لم يكن هناك مال كسل و تباطىء .. فهو شخص محب لمصالحه فقط ..من أجلها فقط يخاصم و من أجلها فقط يقاتل ..فليس عنده ما يسمى حب لله ، أو فعل لله ..بل قد يتنازل عن كرامته أو شرفه أو راحته أو صحته أو أخلاقه و ثوابته من أجل المال..و هذا الشخص هو مثل الشخص الذى صوره القرآن فى قوله تعالى (وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا (73) النساء
-الشخص المادي شخص حسود : لأنه أناني لا يحب إلا نفسه..فهو لا يعرف معنى الإيثار ..لا يتعب إلا لنفسه ..لذا جاء الحديث الشريف حاثا على حب المسلم الخير لغيره (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ.) متفق عليه.. لعل المعوج منا يستقيم.
و بالنظر إلى الطب النفسي نجد أن صفة البخل و الشح التى هى إحدى سمات الشخص المادي ،هى صفة أصيلة فى اضطراب يعرف بإسم "اضطراب الشخصية الوسواسية"....و التى تميل إلى التخزين و التكنيز..بسبب وساوس و مخاوف بشأن المستقبل القريب والبعيد.
الخلاصة
أن صفة "حب المال الشديد " هو أصل أصيل فى طينة و مادة الإنسان..فهو عند الشخص التقي و غير التقى ..
و لكن الشخص التقي يوجه هذا الحب التوجيه الصحيح و النافع له فى الدنيا و الآخرة.. فيكسب من حلال و ينفق فى الحلال و لا ينسى حق الله فى ماله...ليكون الموقف هنا كما قال النبي صلوات الله عليه لعمرو بن العاص " يَا عَمْرُو ، نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحِ لِلْمَرْءِ الصَّالِحِ "
أما الشخص غير التقي فإن هذا الحب هو الذي يسيطر وهو الذي يوجه ..و لكن إلى ماذا ؟ إلى الهلاك و الظلم و حب الذات و نسيان حق الله ..حتى يصبح مكروها مذموما عند الناس و عند الله ..
و بالنظر إلى الطب النفسي نجد أن صفة البخل و الشح التى هى إحدى سمات الشخص المادي ،هى صفة أصيلة فى اضطراب يعرف بإسم "اضطراب الشخصية الوسواسية"....و التى تميل إلى التخزين و التكنيز..بسبب وساوس و مخاوف بشأن المستقبل القريب والبعيد.
الخلاصة
أن صفة "حب المال الشديد " هو أصل أصيل فى طينة و مادة الإنسان..فهو عند الشخص التقي و غير التقى ..
و لكن الشخص التقي يوجه هذا الحب التوجيه الصحيح و النافع له فى الدنيا و الآخرة.. فيكسب من حلال و ينفق فى الحلال و لا ينسى حق الله فى ماله...ليكون الموقف هنا كما قال النبي صلوات الله عليه لعمرو بن العاص " يَا عَمْرُو ، نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحِ لِلْمَرْءِ الصَّالِحِ "
أما الشخص غير التقي فإن هذا الحب هو الذي يسيطر وهو الذي يوجه ..و لكن إلى ماذا ؟ إلى الهلاك و الظلم و حب الذات و نسيان حق الله ..حتى يصبح مكروها مذموما عند الناس و عند الله ..
استودعكم الله
د.صبحى زردق
انتظر تعليقاتكم
https://www.facebook.com/sobhy.ahmed.7732018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق