شبح "الهروب من الواقع" : آفة خطيرة تهدد الشباب
بسم الله الرحمن الرحيم
أهلاً بالسادة الزائرين
يعيش الإنسان حالياً فى جوٍ من الضغوط النفسية و الإجتماعية و المالية و الوظيفية و غيرها ، و ينقسم الناس طبقاً لتعاملهم مع تلك الضغوط إلى صنفين :
الأول: هم المتكيفون مع الواقع
وهم من يتعاملون مع ضغوطهم و أزماتهم بشكل صحيح و صحي ،فيه نوع من المواجهة أو الإعتراف .
الثاني: هم الهاربون من الواقع
و هم من يلجأون إلى طرق ملتوية لحل مشاكلهم ، وتخفيف توترهم و البعد عن الأزمات ،تلك الطرق غالبا ما تكون غير صحيحة و غير صحية ، لينطبق على الشخص ساعتها مقولة "كالمستجير من الرمضاء بالنار". و هو موضوع مقالنا هذا
الهروب من الواقع Escapism
هو هروب الشخص شعورياً أو لاشعورياً من واقع يؤلمه،و تختلف الطريقة من شخص لآخر بهدف التقليل من الشعور بالألم
أشكال الهروب من الواقع
يختلف الناس فى ذلك إختلافاً كبيراً ، حيث يميل كل شخص إلى استخدام وسيلته المفضلة شعورياً أو لاشعورياً ليريح ما به من ألم ،و طرق الهروب من الواقع و أشكاله كثيرة ،نذكر منها :
1- أحلام اليقظة
حيث يسرح الشخص بخياله الواسع إلى نسج قصه تسعده أحداثها من تأليفه ،أو يسترجع من ذاكرته مواقف و لحظات سعيدة حدثت فى الماضى ..و هو ما يريح الشخص الحالم نفسياً ، ولكنها للأسف راحة مؤقتة ،مع استمرار وجود المشكلة
2-النوم لفترات طويلة
و هذه هى الحالة والشكل الذي ينتاب أولادنا أثناء فترات الضغط الدراسي بسبب كثرة المطلوب مذاكرته و قلة الإنجاز و قصر الوقت..و هو الصراع النفسي الذى تحله النفس لاشعورياً بكثرة النوم للهروب من الشعور بالعجز..و هذا العرض مصنف تحت مسمى "أعراض هستيرية"
3-الصداع الشديد
فتجد الطالب إذا تكاثرت عليه المواد و الدروس ،و شعر بالعجز أمامها ،فإن النفس لاشعورياً تتعامل مع الموقف عن طريق تفريغ شحنة العجز إلى الدماغ ، فيشعر الشخص بصداع قاتل يجعله غير قادر على الإمساك بالكتاب..و الغريب أنه إذا ترك الكتاب زال الصداع بالكلية و عادت الأوضاع إلى طبيعتها.
4- تعاطي المخدرات أو التدخين
فالواقع المؤلم الذى يعيشه الشباب اليوم ،والإحباطات المتكررة فى بداية حياتهم، يجعل البعض منهم يلجأ إلى تعاطي المخدرات و التى تمنحهم شعوراً كاذبا باللذة المؤقتة و المدمرة للشخص فى الوقت ذاته مع طول مدة التعاطي ،و ذلك هرباً من واقعهم المؤلم
5- اللعب و الخروج للمتنزهات
فإنك ترى ابنك كلما اقتربت إمتحانات العام الدراسي كلما بدأ أن يكلمك عن فرصة للخروج للتنزه، و كل هذا ماهو إلا وسيلة و شكل من أشكال الهرب
6-الانغماس فى التلفاز و الموبايل
فما إن تحل امتحانات آخر العام إلا و تجد أطفالك زاد تعلقهم بمشاهدة برامج و مسلسلات و أفلام التلفاز،مع إيجاد صعوبة فى ردهم عن هذا..هرباً من المذاكرة
7-الإنزواء و تجنب المجتمع
فترى الشخص مؤثرا للجلوس وحيداً ، دون أن يتكلم أو يكلمه أحد ،هرباً من مسئولية ما ،و حباً فى الابتعاد عن مواجهة الناس و المشاكل...
8- التسويف و التأجيل
و هى وسيلة الكُسالى و الخائفين ،فلو كان لدى شخص ما فى بعض أسنانه تسوس -و كان متصفاً بالخوف - فسوف تراه يؤجل موعد خلع أسنانه يوم بعد يوم ...مما يؤدي إلى تفاقم الحالة و زيادتها سوءاً
9- الكذب والتبرير و الأعذار
و ترى تلك الصفات و الأفعال بكثرة فى تعامل الأطفال و النساء على الأخص ،وهناك فرق بين الكذب و التبرير ،فالأول يحدث عمداً من الشخص مع كامل وعيه له ، أما الثانى فيحدث بشكل لاشعورى..و كلاهما يهدفان إلى الهروب من المسئولية أمام الذات و أمام الآخرين.
10- الإنكار
و هى حيلة من ضمن حيل الدفاع النفسي التى تحدث من الشخص لاشعوريا ، كما يحدث عند سماع شخص لخبر وفاة شخص آخر عزيز ،فتجد الشخص يتعامل و يتكلم وكأنه لم يمت حتى بعد دفنه بنفسه...
11-التطرق إلى حوار آخر
و تحدث تلك الحيلة عندما تكلم شخص ما عن عيب أو خصلة سيئة فى شخص آخر..فترى الشخص الآخر يتهرب من الموقف و الموضوع بالانزلاق و العبور إلى التحدث فى موضوع آخر ..هرباً من الإحراج.
خطورة الهرب من الواقع
تكمن خطورته فى أن الشخص يهرب منالبحث عن حل لمشكلته ،فيسرع إلى التسليم و الإستسلام للأمر الواقع ،و تلك هى المشكلة الأولى،
المشكلة الثانية هى أن تصرف التهرب هذا قد يختفى ورائه مرضاً نفسياً مثل القلق أو الإكتئاب النفسي،و هو ما يؤدى إلى استفحال الحالة و تفاقمها...
الإسلام و علاجه لتلك المشكلة
عالج الإسلام مشكلة الهروب من الواقع، حيث أمرنا النبى صلوات الله عليه بأن نكون أقوياء النفس ،لا نستسلم سريعاً ،فعلينا أولاً بتكرارالمحاولة، قبل أن نيأس أو نعجز... و هو ما أوصانا به النبى فى قوله
"المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍ خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان" رواه مسلم.
بقلم
د.صبحى زردق
أخصائى الطب النفسي
2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق