أحدث المواضيع

أحدث المواضيع

إعلان خاص

عيـادة السيد الدكتور : صبـحي زُردق (مؤلف كتاب النفـس و الكرب ) .. لعلاج أمراض المخ و الأعصاب و الطب النفسي و الإدمان ...عنوان العيـادة : البحيرة – الدلنجات - بجوار موقف دمنهور القديم.. و الحجز مسبقاً .. مع تمانياتنا للجميع بالشفـاء العاجل .
 مدونة النفس و الايمان

طرق الإقناع.. عند إخوة يوسف عليه السلام

طرق الإقناع .. عند إخوة يوسف عليه السلام

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

أهلا بحضرات السادة الزائرين

مع سورة و قصة وصفها القرآن بأحسن القصص ، قصة نبى الله يوسف عليه السلام، نعيش تلك اللحظات الماتعة ، معاً لنستخلص العطر من الزهور ..و الفوائد من نسمات القرآن.. 

تعالوا لنكتشف أسرارخفية من أسرار النفس البشرية .. من خلال ما نقتبسه من كتاب الله ،و بالتحديد من سورة يوسف عليه السلام... فهيا ننطلق ..

قـوة الإقناع



تجلت القدرة الكبيرة على" الإقناع" عند إخوة يوسف عليه السلام عندما طلبوا من أبيهم ان يترك لهم يوسف ليذهب معهم ..و ذلك حينما أصروا إصراراً على ارتكاب جريمتهم و إخفاء يوسف بطريقة مقنعة دون أخذه عنوة أو قسراً ..و هنا يكمن السر فى قوة الإقناع ، فهى القوة التى تتسلل إلى القلوب و العقول لتسيطر بسهولة على التفكير و تغير من أراء و مواقف الغير بطريقة سحرية...
و لا ننسى أن إخوة يوسف قد قاموا بهذا كله حتى يخلو لهم وجه أبيهم ..فينالوا هم القدر الأكبر من الحنان والعطف و الإهتمام و التقدير..و كان هذا هو الدافع الرئيسي وراء جريمتهم الشنعاء..
و لكن قبل أن ندخل فى السورة الكريمة أود أولاً ان نتعرف سوياً على معنى الإقناع كأحد مواضيع التنمية البشرية....

اضغط هنا لتقرأ من اسرار النفس فى سورة يوسف : الاقناع

تعريف الإقناع
 هو قدرة الشخص على التأثير على الآخر و التغيير من موقفه أو رأيه أو فعله .. بدون تهديد أو إجبار
أو هو بمعنى أبسط :
هو تغيير فعل أو رأي عند شخص آخر بعد مؤثر كلامي أو مرئي أو غيره.. قبولاً وطواعيةً دون إجبار..
فإقناع شخص ما بفعل  أو ترك فعل معين أو إقناعه بتغيير موقفه أو رأيه ، هو خلاف إجباره على  هذا الفعل تحت تهديد السلاح مثلا ، فهذا هو "الإكراه " و الإجبار.. و هو ما حرمه الإسلام فى قوله تعالى:
(وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) النور 33 
تفسير ابن كثير: " : كان أهل الجاهلية إذا كان لأحدهم أَمة، أرسلها تزني، وجعل عليها ضريبة يأخذها منها كل وقت. فلما جاء الإسلام، نهى الله المسلمين عن ذلك

و إذا عُدنا إلى علم النفس و التنمية البشرية سوف نجد أن هناك نوعين رئيسيين للإقناع بحسب كونه قد تم  شعوريا .. أم لاشعوريا و هما  :

1- الإقناع المنطقي ( المباشر ) أو (المحسوس) : ببساطة هو تغيير الفكر بالفكر، و من خصائصه أنه :

- يخاطب جزئية العقل المفكر .. " العقل الواعي"
- يعتمد على الأدلة والحُجج المنطقية
- يُقابل مقاومة عالية من العقل عند الإقناع ..طبعا لأنه محسوس و لأن الشخص  يعي  جيدا بأن من أمامه يريد إقناعه بأمر ما...

2- الإقناع النفسي ( الغير مباشر ) أو (غير المحسوس) و هو الذى:

- يخاطب العقل الباطن فى الإنسان .. " العقل اللاواعي" أو "الباطن"
- يعتمد على حركات وألفاظ إيحائية لزرع الأفكار داخل العقل ..مثل الإعلانات عن منتج معين
- لا يواجه مقاومة من العقل عند الإقناع ... أو تكون المقاومة ضعيفة

و هنا يبقى سؤال أى النوعين السابقين أقوى فى الإقناع ؟

يعد "الإقناع النفسي" الذى يخاطب فينا العقل الباطن  .. هو "أخطر أنواع الإقناع" حيث تدخل الأفكار تتسلل إلى الأذهان بكل يسر دون أدنى مقاومة من العقل... و هو أيضا أخطر النوعين لأنه  يُستخدم للسيطرة على الشعوب والجماعات ... و ايضا يستخدم في الإعلان والبيع والجلسات العلاجية...

وبالعودة إلى موضوعنا و هو إقناع إخوة يوسف ليعقوب عليه السلام بإرساله معهم" ثم إقناعه بعد القيام بالجريمة بأن الذئب هو الذى أكله...

هنا نرى أن أركان الإقناع - المستخدم قبل و بعد  الجريمة - جميعها قد تحققت على النحو التالى:

الركن الأول: المُلقي

فالمُلقي هو المتحدث أو المتحدثون ،و هم هنا إخوة يوسف الإحدى عشر

الركن الثاني : المتلقي

  و هو أبوهم يعقوب عليه السلام

الركن الثالث : الرسالة

و هى الفكرة المراد إقناع المتلقي (يعقوب الأب) بها ،للحصول على الهدف المنشود ، و هو أخذ يوسف.. و هو ما يحتاج براعة و دهاء من الإخوة  ..لكى يوافق أبوه على هذا الطلب الصعب ..و خاصة أنهم قد عرفوا مكانة يوسف العظيمة من قلب يعقوب عليهما السلام

 

الإقناع قبل فعل الجريمة

و من أجل إدخال يعقوب عليه السلام فى حالة من الطمأنينة و الإرتياح لأمر إرسال يوسف عليه السلام معهم ، فقد قاموا بتقديم الكثير من الضمانات و الوعود...حتى يهيئوا له الشعور بصدق نواياهم، وسلامة نياتهم و ان طلبهم هذا طلب برىء خالٍ من أى مكيدة  أو خداع (إقناع بالباطل لباطل).. إذ أن اساس عملية الإقناع هو إشعار المتلقي بمصداقية كلام المتحدث... و سنقوم بتلخيص الضمانات و أساليب الاقناع التى استعملها إخوة يوسف  :

أولاً: (قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ) (قالوا) دليل إجماعهم كإخوة ليوسف على هذا أمر أخذ يوسف و الخلاص منه .. و هذا الإجماع يحقق لهم غايتن :

1- هو ما قد يجعل الأب يضعف و يُحرج أمام رفض طلبهم الجماعي ..بمعنى إضعاف مقاومة المتلقي

2- و أن طلبهم بهذا الشكل الجماعي من الصعب أن يكون فيه مكيدة ..و ذلك لأنه لو كان فيه مكيدة لاختلفوا فى الأمر .. و لأثار ذلك الشك فيهم و الشبهات

ثانيا : أنهم قد استعملوا اسلوب التودد فى الطلب بقولهم ( يَا أَبَانَا) استعطافا لقلب  يعقوب عليه السلام ، و ليكون الطلب أكثر تأثيرا فى نفس أبيهم و ايضا لتهيئته نفسيا لإستقبال ما سيلي ذلك من طلب شاق وهو ارسال يوسف الذى يخشى عليه دائما معهم حيث يذهبون

ثالثاً: ( ما لك لا تأمنا) و هو من عظيم مكرهم و خداعهم ..فقبل أن يطلبوا طلبهم المشبوه أرادوا أن يذكروا أباهم بأنه دائما ما يخذلهم بسبب خوفه على يوسف الزائد عن الحد.. و هم بذلك أرادوا أن يزيلوا هذا العائق الكبير من نفس يعقوب..فهو الدافع الذى سوف يجعل يعقوب يقابل طلبهم بالرفض التام..فإذا زال هذا الخوف ..فإن طلبهم قد يقبل بقليل من الجهد و القليل من  الضمانات..كما أنهم بذلك كأنهم يقولون ليعقوب أنت سوف تتهمنا بقلة الأمانة عند أى طلب يتعلق بيوسف  ..و هو ما يحرج يعقوب عليه السلام ،فيحاول لا شعوريا أن يخلف ظنهم السىء هذا فيه ..و هو ما يجعله فى ظنهم أن يقبل الطلب

رابعاً:(وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ) وهذا النصح  هو الضمان الأول المقدم منهم لأبيهم ..لإقناعه بأنهم يخافون عليه كما يخاف عليه هو أيضا ..فمن ينصح ..إذ لم ينصحوا أخاهم الصغير الضعيف..و هو أيضا محاورة بما هو عكس الموجود عند أبٍ يخشى على ولده و خاصة بعد الرؤية الثمينة التى عرف بها قدر يوسف و مستقبله المشرق  ..إذاً فإن ذلك الضمان هو من أجل إزالة أو إضعاف عائق الخوف داخل نفس يعقوب عليه السلام

خامساً: (أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ ) ثم يستمر الكذب و التضليل منهم بمحاولة إقناع أباهم بأن الغرض من إرسال يوسف معهم هو الترويح عن النفس و اللعب و ليس شىء آخر حتى تزداد طمأنينته.. فالهدف برىء جدا و هو شىء يدخل على قلب الصغير الفرحة و السرور ..و بالتالى الترحيب بالفكرة من ناحية ، مع إضعاف الخوف منهم و الشك فيهم من ناحية أخرى  و كذلك إبعاد فكرة الإنتقام من يوسف من ذهن نبى الله يعقوب من ناحية ثالثة

سادساً: (وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) و هذا هو الضمان الثانى منهم ..فهم ليسوا فقط ناصحون له ..بل هم أيضا حافظون له من كل سوء..و هى محاولة أخرى لإزاحة و اضعاف الخوف على يوسف منهم أو من غيرهم 

فكأن الأب قد استعظم عليه و قد آلمه كلام ابناءه  بأنه قليل الثقة فيهم على كبر سنهم و كثرة عددهم و خاصة بعد ما قدموه من ضمانات ..فأراد أن يبعد ذلك الظن من نفوسهم بقوله أنه لا يخاف منهم انفسهم بل يخاف على يوسف من الذئاب الضارية من أن تأكله إذا خرج معهم.. لعلهم ينصرفون  و لا يصروا على طلبهم الصعب هذا

قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ)13 يوسف
سابعا: 
 

(قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ)14 يوسف.. أراد يعقوب عليه السلام أن يقول أن خوفى عليه من الذئب و ليس منكم ..و لكنهم أرادوا أيضا أن يبطلوا ذلك الخوف لديه ..فقدموا لهم الضمان الثالث ..بأنهم سيدعون بالخاسرين ..أى الضعفاء العاجزين و هو انتقاص لذاتهم بأنفسهم ..و لا يفعل ذلك الإنسان إلا إذا كان واثقا من نفسه صادقا فى قوله..و هو ما يزيد إقناعهم قوة على قوة....و انتهى الموقف بالسماح ليوسف بالذهاب معهم

                     الإقناع بعد فعل الجريمة

 بعد أن فعلوا فعلتهم الشنيعة ،و ألقوا بالصغير يوسف فى البئر المظلم..أرادو أن يقنعوا أباهم بأنهم لا  يد  لهم فى قتل يوسف .. و جاءوا على ذلك بأدله كاذبة هى :

1- البكاء و الدموع الكاذبة: (وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ) 16 يوسف.. و لأنهم يريدون من هذه الدموع الكاذبة أن يقولوا : نحن حزانى على موت يوسف لأننا كنا نحبه حبا شديدا و كنا لا نريد له أبدا أن يموت...و تلك دموعنا دليل على ذلك...ثم إن الدموع سوف تهيأ يعقوب عليه السلام نفسيا لتوقع خبر غير سار..فتكون ردة فعله ضعيفة

2- إقناع يعقوب عليه السلام بأنهم ليسوا سبب موت يوسف  : فالذئب هو الذى قتله ...و قبل أن يسأل و يقول وأين كنتم حين أكله الذئب (قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ) ..فبهذا السباق هم  يلتمسوا  لأنفسهم العذر..و أن ما حدث هو شأن من شئون القدر..لا يد لهم فيه..(قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ)يوسف 17

3- استباق ما سيكون من أبيهم : فهم يعرفون أنه سوف  يكذبهم على الأرجح ..فقبل أن ينطق بهذا عليهم بخطوة استباقية تحمل نفس المعنى  قائلين

وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ)
فأنت بالتأكيد سوف تكذبنا حتى و لو كنا صادقين بسبب حبك الشديد ليوسف ...فأنت تكذبنا دوماً..فلا تفعل لأنك إن فعلت فسوف تكون ظالم لنا .. لأن المتحدث عندما يقول ما فى نفس الشخص المتلقى فإن ذلك سوف يهدىء من انفعاله لأنك حينها تكون قد قلت ما أراد أن يقوله و ما يغيظه...

4- تقديم الدليل المادي القاطع على افتراس الذئب ليوسف: و هو قميص يوسف و عليه أثار من الدماء

(وَجَاؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ)

.. و هذا أساسى فى طريقة"الإقناع المنطقي" و هو ما يخدمهم فى أمرين :

1- له من أثر بالغ فى تصديق ابيهم لهم 

2- إبعاد التهمة و الشك عنهم تماما .. ...

الخلاصة

استعمل إخوة يوسف أساليب عدة فبل و بعد الجريمة نلخصها فى الآتى:

الاقناع العاطفى: لكسر حاجز الخوف منهم ..وهو ما ظهر فى قوله تعالى الدال على حبهم له (وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ) و حفظهم له (وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) و أنهم قوة لا يستهان بها لدفع أى ضرر (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ)

الاقناع المنطقى : و الذى ظهر فى تقديم الادلة المادية المقنعة للعقل :مثل البكاء و الدموع (وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ) و القميص الملطخ بالدم (وَجَاؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ)

اسلوب الترغيب : حيث قدموا فكرتهم على أنها فى صالح الصبى الصغير و أن الهدف هو أن يلعب و يمرح و بالتالى سهولة أخذ الموافقة من أبيهم  (أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ)

 

استودعكم الله

د.صبحى زردق

انتظر تعليقاتكم و اقتراحاتكم

  2018

 

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق