أحدث المواضيع

أحدث المواضيع

إعلان خاص

عيـادة السيد الدكتور : صبـحي زُردق (مؤلف كتاب النفـس و الكرب ) .. لعلاج أمراض المخ و الأعصاب و الطب النفسي و الإدمان ...عنوان العيـادة : البحيرة – الدلنجات - بجوار موقف دمنهور القديم.. و الحجز مسبقاً .. مع تمانياتنا للجميع بالشفـاء العاجل .
 مدونة النفس و الايمان

لا نريد منكم جزاءً و لا شكوراً ..البُعـد النفسـي للآيـة

لا نريد منكم جزاءً و لا شكوراً ..البُعـد النفسـي للآيـة
بسم الله الرحمن الرحيم -- أهلاً بالسادة الزائرين

قال تعالى :  إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9)الإنسان

تفسير السعدي 
"ويقصدون بإنفاقهم وإطعامهم وجه الله تعالى، ويقولون بلسان الحال: { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا } أي: لا جزاءً مالياً ولا ثناءً قولياً- أ.هـ

أشارت الآية الكريمة إلى موضوع معروف فى علم النفس يُسمى بــ " الدوافع الإنسانية" Motives أو "الحاجات الإنسانية"Needs 

تعريف الدافع فى علم النفس

الدافع هو الحالة التى تثير السلوك فى ظروف معينة و تواصله حتى يصل إلى غاية معينة ..فمثلاً يذاكر الطالب و يسهر الليالي من أجل الوصول إلى غايته و هى الحصول على أعلى الدرجات، و يكد الفلاح طوال الوقت من أجل محصول جيد نهاية العام ..و هكذا ..
و يمكن تعريف الدافع ببساطة على أنه العامل المحفز المحرك الإنسان للوصول إلى غاية..  فكل دافع يؤدي إلى غاية

 أنواع الدوافع فى علم النفس

تنقسم الدوافع المحركة للإنسان  طبقاً لما يسمى فى علم النفس بـ"هرم ماسلو" للإحتياجات الإنسانية إلى عدة أنواع هـى :
1-الحاجات الفسيولوجية : مثل الحاجة إلى التنفس و الطعام و الشراب ،الإخراج ،النوم ، الجنس ، الراحة ...
2-الحاجة إلى الأمان : أن يعيش مطمئناً فى داخله آمناً فى سربه ، الأمن الوظيفي ، أمن الممتلكات ، أمن الأسرة ، أمن الصحة ،السلامة الجسدية
3-الحاجات الإجتماعية : مثل تكوين صداقات ، العلاقات الأسرية ، الألفة الجنسية
4-الحاجة للتقدير : الثقة و تقدير الذات ،احترام الذات ، احترام الآخرين له ، الإنجازات .
5-الحاجة لتقدير الذات : الإبتكار ، حل المشاكل ، تقبل الحقائق
اضف إلى ذلك كله دافع الإنتقام ،دافع الكراهية ..إلخ

  رغم ما قدمه التصنيف السابق من ذكر أنواع كثيرة من الدوافع و الحاجات الإنسانية إلا أنه لم يضع "رضا الله عز و جل" من ضمن غايات بعض الناس ، رغم أنها الغاية العليا التى لا يصل إليها إلا اصحاب النفوس الطاهرة ، الطاهرة من النفاق و الزيف و حب الدنيا و الأنانية . فرضا الله و القيام بالعمل لوجه فقط لا يقصده إلا من آثر الآخرة على الدنيا ، و هى مرتبة عالية جداً لا ينالها إلا ذو حظ عظيم.
الفوائد النفسية فى الآية الكريمة
الفائدة الأولى
أشارت الآية الكريمة إلى أن الناس يتحركون نحو فعل الخيرات لثلاثة أسباب أو قل ثلاثة دوافع  هـى :
1- لوجـه الله : حيث لا يبتغي الإنسان إلا رضا الله و جنته،و هى غاية المؤمنين الخالصين الأتقياء..و هى الغاية التى نستطيع أن نسميها بــ" الغاية العُليا"
2- لدافع مادي : مثل مبلغ من المال أو إعطاء ميزة من المميزات أو أى مقابل آخر من المكاسب و المنافع...و قد ذُكر ذلك فى التصنيف السابق تحت بند "الأمن الوظيفي" و هى غاية دنيوية ..و تكمن خطورة ذلك فى أن تلك الصفة(حب الحافز المادي) قد تلغي مع الوقت صفة العمل "لوجه الله" ليصير الإنسان شخصاً مادياً لا تحركه إلا المادة و المنافع و المصالح الشخصية .
3- لدافع معنوي :و هو هنا الثناء القولي من الآخرين، و هذه السمة ذُكرت فى علم النفس فى التصنيف السابق تحت بند "الحاجة للتقدير"..و هذه الغاية هى غاية دنيوية..تدل على شخص محب للدنيا محب للثناء و سماع كلمات المديح ، و هو ما قد ينبت فى قلب الإنسان بذور النفاق ليصبح يوماً ما من المنافقين الذين يراءون الناس و لا يذكرون الله إلا قليلاً..و إذا نظرنا إلى الطب النفسي سنجد أن هناك اضطراب يُسمى "اضطراب الشخصية النرجسية" و التي يحب صاحبها سماع عبارات المديح و الإطراء كبند من بنود تلك الشخصية.
الفائدة الثانية
لكل منا مصدر لسعادة قلبه ، فمنا من يسعده و يفرحه تناول طعام ما ، و منا من يسعده تعاطي مخدر ما ، و منا من يسعده عمل الخيرات لوجه الله ، و منا من يسعده و يحفزه عطيه من العطايا أو مكسب من المكاسب(الجزاء المالي) ، و منا من يسعده المدح و الثناء من الآخرين(شكر الناس لك) .. أتدرون لماذا كل ما سبق يسبب لنا البهجة و السعادة ؟
لأن كل تلك الأشياء تعمل على تنشيط  و تحفيز ما يعرف فى الدماغ بـ"نظام المكافأة" .. فسماع مديح و ثناء مثلاً يؤدى إلى إفراز هرمون "الدوبامين " فى نظام المكافأة ، فيرتفع مستواه بالدرجة التي تُشعر الإنسان بالسعادة و الفرح و بالدرجة التى تجعل الإنسان يحب أن يتكرر معه ذلك السلوك من الناس مرات و مرات. 
الخلاصة
يُقدِم الناس على فعل الخيرات لثلاثة اسباب جميعها تحتوي على مكافأة .. وتلك المكافأة تختلف من شخص لآخر .. فمنا من يكون   "رضا الله" هو مكافأته العظمى ..و منا من لا يسعده إلا  مكافأة مالية أو أى مكسب من المكاسب ..و منا من يحب أن تكون مكافأته شكر و ثناء من الآخرين ..و أحسنهم من ينتظر مكافأته من ربه دون الطمع فيما سواه لأنه ببساطه قد تجاهل هواه و ملذاته و قهر و تغلب على شهوات النفس من حب للمال و الشهرة ..بمعنى أنه  قد آثر ربه على هواه و شهواته و هى منزلة لا تكون سوى للأقوياء و أولي العزائم من الناس.

بقلم د.صبحي زُردق
أخصائي الطب النفسي 2018 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق